الشهيد القائد محمد أبو النصر.. عندما تجتمع الصلابة مع الوداعة

Admin عدد المساهمات : 382 تاريخ التسجيل : 14/07/2010

الشهيد القائد محمد أبو النصر.. عندما تجتمع الصلابة مع الوداعة
أسرة موقع كتائب المقاومة الوطنية

■ لم يكن قد بلغ الخامسة عشرة من عمره, عندما شارك بحماسة منقطة النظير كما كل شباب مخيم عين الحلوة وكهوله ونسائه وأطفاله في مسيرة 23 نيسان 1969, حيث التقى أهالي المخيم مع عشرات آلاف المواطنين الصيداويين الفقراء من صيادين وعمال وطلبة وشباب ونساء, للمطالبة بحرية العمل الفدائي من جنوب لبنان. ربما كان هذا هو العنوان الذي يخفي في ظلاله تمرد قطاعات واسعة من الشعب اللبناني (المظاهرات شملت مدن صيدا ـ صور ـ بيروت ـ طرابلس ) بوجه سياسة سلخ لبنان عن محيطه العربي والتمسك بسياسة "الحياد" في الصراع العربي ـ الإسرائيلي, وإطلاق شعار "قوة لبنان في ضعفه". شعار صاغه بيار الجميل الجدّ مؤسس حزب الكتائب اللبنانية, وأحد أبرز أركان المارونية السياسية اللبنانية منذ الاستقلال عام 1943. المارونية السياسية لم تكن حكراً على كبار التجار والملاك العقاريين وأصحاب البنوك من الطائفة المارونية, بل جذبت إليها كبار الإقطاعيين من الشيعة وكبار التجار من السنة. فكانت مظاهرات 23 نيسان (أبريل) 1969, تعبيراً عن التوجهات الوطنية والقومية لغالبية الشعب اللبناني ومن كل الطوائف لدعم الثورة الفلسطينية الوليدة في نضالها ومشاركتها لاسترداد وطنها وعودة اللاجئين من أبنائها لوطنهم وأملاكهم. كما كانت في الوقت ذاته صرخة بوجه الظلم الاجتماعي والطبقي وللمطالبة بحق الفئات المسحوقة من الشعب اللبناني بحياة حرّة وكريمة.
وجد اللاجئون الفلسطينيون في هذه المظاهرة, كما في ثورتهم الوليدة, فرصة للتعبير والاحتجاج عن الظلم الوطني والاجتماعي والإنساني الذي كان يمارسه النظام اللبناني وأجهزته الأمنية القمعية ضدهم طوال سنين تشردهم منذ العام 1948.
لقد شكل هذا الجو والنهوض الوطني القومي العارم بتأثير المظاهرات وأحداث كبرى سابقة كهزيمة 1967 وقيام الثورة الفلسطينية, بواكير الوعي الوطني والاجتماعي لجيل كامل من شباب مخيم عين الحلوة, كان من ضمنهم محمد سعيد أبو النصر, المولود عام 1954 في عائلة لاجئة من بلدة «صفورية» في شمال فلسطين.
بعد مظاهرات نيسان كان تفكير محمد تأمين التسلل إلى الأردن للانضمام إلى الثورة الفلسطينية إلا أن حداثة سنه وقلة المال حالا دون ذلك, و كان يستشيط غضباً كلما علم أن عشرات الشبان من أبناء حيه ( حي صفورية الملاصق لسوق الخضار في المخيم) قد غادروا إلى الأردن. بعضهم يعود بعد أشهر, ليلتحق بقواعد المقاومة في جنوب لبنان ـ تحديداً منطقة العرقوب, والآخرون يبقون هناك لشن العمليات داخل الوطن.
لم يكن يحلم وهو يافع ـ كما أسر فيما بعد ـإلا بحلمين, الأول أن يصون كرامته وكرامة أهله (كما حال كل سكان المخيم) المهدورة على يد عملاء الشعبة الثانية وأفراد فصيلة الدرك اللبناني المتواجدة داخل المخيم, الثاني أن يتاح له أكل الموز, وهو ثمرة لم يذقها حتى تلك اللحظة, سوى مرة واحدة عندما كان مريضاً بداء في المعدة لازمه طوال حياته القصيرة.
فالموز كما كل أنواع الفاكهة واللحوم والدجاج, لم يعرف طريقه إلى موائد اللاجئين. فالفاكهة الوحيدة المتوافرة بشكل شبه دائم طيلة فصل الشتاء هي البرتقال, حيث أن غالبية أهل المخيم القادرين على العمل كانوا يعملون في بساتين الحمضيات المنتشرة بكثافة في جنوب لبنان, من يستحصل على هذه الفاكهة يتقاسمها مع جيرانه وأقاربه.
في هذه الأجواء من الفقر المدقع والظلم الوطني والاجتماعي, ولد وترعرع «أبو النصر», يتيماً لعائلة فقيرة, من أم وخمسة أشقاء وشقيقات. ترك الدراسة مبكراً, ونزل إلى ميدان العمل الزراعي للإسهام في إعالة أسرته. انضم إلى صفوف الجبهة الديمقراطية بترشيح من أحد أقاربه الأكبر سنّا وهو أحد كوادر منظمة الجبهة في عين الحلوة. في نهاية عام 1972 انخرط بشكل كامل في صفوف القوات المسلحة الثورية للجبهة. في أحد إجازاته عام 1973, كم كان فرحاً وهو يخبر أصدقاءه وأقرباءه عن تسلله للمرة الأولى إلى فلسطين, قال إنه حين وطأت أقدامه أرض الوطن شعر بإحساس لا يستطيع وصفه, رائحة التراب لا زالت تدغدغ أنفه, وعبير أزهار الأشجار لن يفارقه طوال حياته. تحدث عن الحلم الذي أصبح حقيقة مردداً كلام أحد الثوريين العظماء« الثورة تبدأ بحلم صعب, لكنها على الخرائط تتحول إلى قرار», هذه العبارة بات يرددها باستمرار وأن لم يكن قد تلمس مضامينها بشكل عميق في تلك الفترة.
القوات المسلحة الثورية, كانت نقطة التحوّل المركزية في حياة "أبو النصر", كما قال لاحقاً, كان يعتقد أن العمل النضالي هو عبارة عن تدريب وحمل سلاح, حراسة ودوريات استطلاعية أو قتالية أما ما لمسه فهو تحويل هذا العمل من مجرد عمل احترافي تقني إلى عمل واعٍ موجه, تعرف على مضامين مختلفة للعمل النضالي, عن الربط ما بين السياسة والسلاح, عن المرحلية في النضال’ عن الوحدة الوطنية باعتبارها انخراط كل الشعب وفي كل أماكن تواجده في النضال بمختلف الوسائل والأساليب. تجربته في القوات المسلحة الثورية شقت له طريق المستقبل, والربط بين دوره العسكري وما بين المستقبل, كلها عوامل شقت له طريق المستقبل.
مع بداية الحرب الأهلية في لبنان (نيسان 1975) كان قرار قيادة الجبهة الديمقراطية في لبنان تطوير القدرات الذاتية لقوات المليشيا الشعبية على أسس متقدمة تستجيب لمهام صد اعتداءات القوى المعادية على المخيمات الفلسطينية والمناطق الوطنية اللبنانية, كما تستجيب لمهام النضال الشعبي الديمقراطي بأشكاله المتعددة كما تقرر بناء ما سمي ب"القوة المحلية" في المخيمات, بما يساوي الاحتياط التابع للقوات المسلحة الثورية, وضمن مهام لا تقل صعوبة عن مهمات هذه القوات, لكن في الدفاع عن المخيم, والمناطق الوطنية اللبنانية. إضافة غلى تدريب قوات المليشيا الشعبية ورفع جهوزيتها القتالية.
على هذا الأساس فٌرِز عدد محدد من كادر القوات. (من أبناء المخيمات) لبناء "القوة المحلية", وكان نصيب محمد أبو النصر قيادة القوّة المحلية في عين الحلوة.
على الرغم من تربيته العسكرية الصارمة, إلا أن أبو النصر انخرط بسرعة في مهامه الجديدة باعتبارها مزيجاً من العمل العسكري المحترف والعمل الجماهيري الواسع. وتميز بسرعة استجابته للتوجهات التنظيمية التي تتطلب الصرامة من جهة (التدريب ـ الحراسة ـ الخ) والتواضع والقدرة على تفهم الواقع الاجتماعي من جهة أخرى (هموم الناس ومزاجهم). عرف أبو النصر بالصرامة والانضباط والتواضع وحب الناس والفطرة الإنسانية المسلحة بوعي طبقي ووطني وسياسي متميز. كما كان قائداً عسكرياً وتنظيمياً ناجحاً. فتطوّرت القوة المحلية على يديه تدريباً وتسليحاً, وارتفعت أعدادها, كما تطوّرت قوات الميليشيا كماً ونوعاً وهو الذي كان أحد قادتها في منطقة صيدا, بحكم موقعه كقائد "للقوة المحلية". وقد ساهمت قوات المليشيا وفي القلب منها القوة المحلية ـ في الدفاع عن صيدا وجوارها وقدمت على مذبح التضحية خمسة وخمسين (55) شهيداً خلال حرب السنتين, من بينهم القائد الملازم إبراهيم سليمان, زميل محمد أبو النصر وصديقه الحميم.
مع نهاية العام 1977, تسلم الرفيق محمد أبو النصر قيادة الميليشيا في المخيم. وهي مرحلة دخلت معها الميليشيا والقوّة المحلية مرحلة نوعية, من خلال التوسع الكبير في صفوفها, نتيجة لتزايد النفوذ السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في صفوف الثورة والشعب, ونتيجة للجهود الهائلة التي كان يبذلها كادر التنظيم وأعضاؤه, يواصلون العمل ليل نهار, ويبدعون في برامج النشاط وأشكال التأطير والتنظيم الجماهيري. بما في ذلك معترك النضال الجماهيري النقابي دفاعاً عن المصالح اليومية, مما أسهم في توسيع صفوف التنظيم وامتداداته الجغرافية.
كما تميزت هذه المرحلة بالنسبة لقوات الميليشيا باستيعابها الأسلحة المتطوّرة مثل (رشاشات ثقيلة مضادة للطائرات من عيار 14,5 و23ملم) ومدافع عديمة الارتداد (B-10) وغيرها. وهذا ما تطلب ورشة تدريب عالية الكفاءة و متواصلة نظمت بهمة وكفاءة من قبل الرفيق أبو النصر وبإشراف مباشر من قيادة المنطقة وكانت تتوج عمليات التدريب بالمناورات بالذخيرة الحية وبمشاركة الأسلحة كافة.
كان الرفيق أبو النصر شديد الالتزام, يعمل دون كلل لأكثر من أربع عشرة ساعة متواصلة. كان قليل الكلام ـ حتى في الاجتماعات الحزبية والجماهيرية تقتصر مداخلاته على الجوهري والمهم, بلغة بسيطة, وعادة ما ينهيها بنقد ذاتي عن تقصير جرى هنا أو هناك في منظمته. متواضع إلى أبعد الحدود. يصادق الجميع. لا يضايق أو يزعج أحدا إلا في نطاق العمل التنظيمي,حيث كانت انتقاداته شديدة بوجه القصور والخمول ومكامن الخلل, سواء في نشاط الأفراد أم في برامج وأساليب العمل. كان لا يترك مناسبة وطنية أو اجتماعية إلا ويشارك فيها على رأس وفد من منظمته.
في اجتياح عام 1982, اصطدمت قوات العدو مع أبطال كتيبة الشهيد سامي أبو غوش ـ إحدى القوات المسلحة الثورية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين حديثة التشكيل كاحتياط قيادي, وكان قد دٌفع بها لمدينة صيدا, فانتشرت عند المدخل الجنوبي للمدينة وعلى أطراف مخيم عين الحلوة الغربية. دخل أفراد الكتيبة معركة بطولية مع قوات الاحتلال في المدينة الصناعية القديمة ومستديرة الراهبات على المدخل الجنوبي للمدينة ـ تؤازرهم قوات المليشيا ـ بقيادة الملازم أول محمد أبو النصر التي دخلت المعركة من أطراف البساتين المحيطة بمخيم عين الحلوة من جهة الغرب (تعرف اليوم بمثلث الحسبة) واستطاع المقاتلون الالتحام مع قوات العدو موقعين بين صفوفه العشرات من الإصابات, وهو ما دفع الجيش الإسرائيلي لسحب قواته للخلف وقصف المنطقة قصفاً جنونياً بحيث استحال جمع الجثث أو التعرف إلى أصحابها. لذلك دفنت جماعياً في ما عرف لاحقاً مقبرة شهداء السادس من حزيران 1982 وبها جثامين شهداء كتيبة الحاج سامي أبو غوش وقوات الميليشيا وفي مقدمتهم قائدها الشهيد الملازم أول محمد سعيد أبو النصر.
أبو النصر الصلب المتواضع, الباسم دائماً ـ لن ننساك.■[b]

» شكرا ايها الشهيد
» ابشر ايها الشهيد
» الشهيد صدام حسين يرثيه الشيخ عائض القرني
» أنا من أتباع محمد:
» من اجاب محمد دخل الجنه